بطولة أشواق وفاطمة- فتاتان سعوديتان تنقذان زميلاتهن من حادث حافلة

المؤلف: هاني الظاهري08.15.2025
بطولة أشواق وفاطمة- فتاتان سعوديتان تنقذان زميلاتهن من حادث حافلة

استحق بجدارة الخبر الرائع الذي أنارت به صحيفة «عكاظ» صفحاتها الأولى قبل يومين، مسلطة الضوء على قصة ملحمية للطالبتين السعوديتين المبدعتين (أشواق بخش وفاطمة الصعب)، اللتين تجسدت فيهما أسمى معاني البطولة والفداء، وذلك بإنقاذهما زميلاتهن من موت مُحقق، حينما تمكنتا ببراعة وشجاعة نادرتين من السيطرة على الحافلة المدرسية التي كانت تقلهن، بعد أن فقد سائقها وعيه جراء إصابته بغيبوبة سُكر، وانحرفت الحافلة عن مسارها بشكل خطير كاد أن يودي بحياة الجميع.

ووفقًا لما ورد في الخبر المُفصل، فقد وقع هذا الحادث الجلل في محافظة الجموم، وبالتحديد لمجموعة من الطالبات المنتسبات إلى مدرسة أبي عروة الابتدائية، والجدير بالذكر أن هذه المدرسة تستوحي اسمها من اسم القرية الهادئة التي تحتضنها، وليس من اسم شخصية تاريخية كما قد يتبادر إلى الأذهان للوهلة الأولى، الأمر الذي يجعل من هذا الحدث الاستثنائي فرصة سانحة ومثالية لتغيير اسم المدرسة إلى اسم جديد مُستقل ومُلهم، بدلاً من ربطه بالمكان، وأقترح بكل تواضع أن يتم تسميتها بـ (مدرسة أشواق وفاطمة) كتعبير صادق عن التقدير والإجلال لهما، وتخليدًا لبطولتهما النادرة، وحتى تتذكر الأجيال القادمة، بعد سنوات طويلة، فضلهما العظيم، وليفخر أبناء وأحفاد الطالبات الناجيات على الدوام بقريتهم التي أنجبت هاتين البطلتين.

لكن ما يثير قلقي العميق حقًا هو احتمال أن وزارة التعليم الموقرة لم تكن على علم بتفاصيل هذا الحادث الجلل إلا من خلال خبر الصحيفة، خاصة وأن التكريم المحدود الذي حصلت عليه الطالبتان حتى لحظة نشر الخبر كان مصدره مكتب تعليم الجموم فحسب، وليس مكتب الوزير نفسه، أو حتى مكتب مدير تعليم المنطقة على أقل تقدير، ولعل السبب في ذلك يكمن في انشغال الوزارة حاليًا بتكرار وضع كتب المناهج الدراسية على أجهزة وزن (الخضراوات والفواكه) بحجة واهية وهي محاولة تخفيف وزن الحقيبة المدرسية المثقلة على ظهر الطالب المسكين الذي أحدودب ظهره من حملها، مع أنه يعيش في عصر التقنية المتطورة الذي يُمكّن مسؤولي الوزارة بكل سهولة من جمع مناهج المراحل الدراسية بأكملها في (فلاش يو إس بي) صغير لا يتجاوز وزنه 10 جرامات، ولكن هذا للأسف الشديد أمر يصعب استيعابه على أولئك الذين يعيشون بأجسادهم في عام 2024، أما عقولهم فما زالت حبيسة في حقبة الستينات من القرن الماضي، إن لم تكن تائهة في عصور أقدم.

إن الميزة الأبرز لبطولة فاطمة وأشواق تكمن في أنها تجلت في زمن لم تكن فيه المرأة السعودية تقود السيارات الصغيرة بعد، فما بالك بالحافلات الكبيرة، الأمر الذي يرفع من شأن هذه البطولة بشكل استثنائي وباهر، ولو أن صحيفة مرموقة مثل نيويورك تايمز أو ديلي ميل البريطانية قد التقطت هذا الخبر، لأصبحت هذه الواقعة حديث نشرات الأخبار في جميع أنحاء العالم، ولتسارعت المنظمات الدولية المرموقة إلى تكريم الطالبتين المبدعتين قبل أن تلتفت إليها وزارة تعليمنا الموقرة، أو لِنَقُل قبل أن تستبدل كتاب العلوم بكتاب الفقه على ميزان الخضراوات الذي تصور بجانبه أحد كبار مسؤوليها ونشر الصورة عبر حسابه في شبكة تويتر، ليُضحك علينا العالم أجمع دون أن يشعر.

وختامًا، نؤكد أنه لا ينبغي أبدًا أن تمر بطولة أشواق وفاطمة مرور الكرام كخبر صحافي عابر مثل غيره من أخبار الحوادث المرورية المؤسفة التي تُنشر يوميًا في الصحف السعودية، بل ينبغي، حتى وإن لم يستوعب السيد المسؤول في وزارة التعليم عظمة وأهمية هذا الحدث الجلل، أن يستوعبه المجتمع بأسره، وأن تُطلق مبادرات أهلية واسعة النطاق لتكريم الطالبتين البطلتين، بدءًا من قرية أبي عروة الصغيرة، وليس انتهاءً بكل بقعة في هذا الوطن المعطاء تحمل بناتها حقائبهن كل صباح وهن متجهّات إلى مدارسهن، دون أن يعلمن ما إذا كن سيعُدن إلى منازلهن سالمات أم سيذهبن ضحية غيبوبة سائق حافلة مريض أو إبل سائبة، دون أن يهتم بمصيرهن أحد من خارج أسرهن.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة